كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: يبقون في الظلمة.
ويقال: إن الله خلق الدنيا مظلمة.
ثم قال: {والشمس} سراجًا، فإذا طلعت الشمس، صارت الدنيا مضيئة.
وإذا غربت الشمس، بقيت الظلمة.
كما كانت، وهو قوله تعالى: {نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} يعني: ننزع الضوء منه {فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} يعني: يبقون في الظلمة.
ويقال: نسلخ الليل.
يعني: نخرج منه النهار إخراجًا لا يبقى منه شيء من ضوء النهار، كما نسلخ الليل من النَّهَار، فكذلك نسلخ النهار من الليل.
فكأنه يقول: الليل نسلخ منه النهار، والنهار نسلخ منه الليل، فاكتفى بذكر أحدهما، لأن في الكلام دليلًا.
وقد ذكر في آية أخرى قال: {خَلَقَ السماوات والأرض بالحق يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لًاجَلٍ مُّسَمًّى أَلا هُوَ العزيز الغفار} [الزمر: 5].
ثم قال عز وجل: {والشمس تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} قال مقاتل: يعني: لوقت لها.
وقال الكلبي: تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها، ولا تتجاوزها.
ثم ترجع إلى أول منازلها.
وقال القتبي: {والشمس تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} يعني: إلى مستقر لها.
ومستقرها أقصى منازلها في الغروب.
وذلك لأنها لا تزال تتقدم في كل ليلة، حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها، لأنها لا تجاوزها.
وطريق آخر ما روي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم عند غروب الشمس، فقال: «يا أبَا ذَرَ أَتَدْرِي أيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ» قلت: الله ورسوله أعلم قال: «فإنَّهَا تَغْربُ، وَتَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، وَتَسْتَأْذِن فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أنْ تَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، حَتَّى تَسْتَشْفِعَ، وَتَطْلُبَ، فَإذا طَالَ عَلَيْهَا، قيلَ لَهَا: اطلعي مَكَانَكِ، فذلك قوله: {والشمس تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا} قال: مُسْتَقَرُّها تَحْتَ العَرْشِ».
ثم قال: {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم} العزيز بالنقمة، العليم بما قدّره من أمرها، وخلقها.
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {والشمس تَجْرِى لمُّسْتَقِرٌّ لَهَا} يعني: لا تقف، ولا تستقر، ولكنها جارية أبدًا.
ثم قال عز وجل: {والقمر قدرناه مَنَازِلَ} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو {والقمر} بالضم وقرأ الباقون بالنصب.
فمن قرأ بالضم، فله وجهان.
أحدهما أن يكون على الابتداء، والآخر معناه: {وَءايَةٌ لَّهُمُ} القمر عطف على قوله: {وَءايَةٌ لَّهُمُ الليل} ومن قرأ بالنصب، فمعناه: وقدرنا القمر.
وقال مقاتل في قوله: {والقمر قدرناه مَنَازِلَ} يعني: قدرناه منازل في السماء، يبدو رقيقًا، ثم يستوي، ثم ينقص في آخر الشهر.
وقال الكلبي: {قدرناه مَنَازِلَ} أي: قدرناه منازل بالليل، ينزل كل ليلة في منزل، ويصعد في منزل، حتى ينتهي إلى مستقره الذي لا يجاوزه، ثم يعود إلى أدنى منازله.
ويقال: إن القمر يدور في منازله في شهر واحد، مثل ما تدور الشمس في منازلها في سنة واحدة، قال مقاتل وذلك أن القمر عرضه ثمانون فرسخًا مستديرة، والشمس هكذا.
وكان ضوؤهما واحدًا، فأخذ تسعة وتسعون جزءًا من القمر، فألحقت بالشمس.
وروي عن ابن عباس أنه قال: القمر أربعون فرسخًا في أربعين فرسخًا، والشمس ستون فرسخًا في ستين فرسخًا.
وقال بعضهم: القمر والشمس عرض كل واحد منهما مثل الدنيا كلها.
ثم قال تعالى: {حتى عَادَ كالعرجون القديم} يعني: صار كالعذق اليابس، المنقرس، الذي حال عليه الحول.
ويقال: للقمر ثمانية وعشرون منزلًا، فإذا صار في آخر منازله، دقّ حتى يعود كالعذق اليابس.
والعرجون إذا يبس، دق واستقوس، فشبه القمر به.
يعني: صار في عين الناظر كالعرجون، وإن كان هو في الحقيقة عظيم بنفسه، إلا أنه في عين الناظر يراه دقيقًا.
ثم قال عز وجل: {لاَ الشمس يَنبَغِى لَهَا أَن تدْرِكَ القمر} يعني: أن تطلع في سلطان القمر.
وقال عكرمة: لكل واحد منهما سلطان للشمس سلطان بالنهار، وللقمر سلطان بالليل.
فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل {وَلاَ الليل سَابِقُ النهار} يعني: لا يدرك سواد الليل ضوء النهار، فيغلبه على ضوئه {وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يعني: في دوران يجرون، ويدورون، ويقال: {يَسْبَحُونَ} يعني: يسيرون فيه بالانبساط، وكل من انبسط في شيء، فقد سبح فيه، وقال بعضهم: السماء كالموج المكفوف، والشمس والقمر، والكواكب الدوارة يسبحون فيها وقال بعضهم: الأفلاك كثيرة، مختلفة في السير، تقطع القمر في ثمانية وعشرين يومًا، والشمس تقطع في سنة.
وقال بعضهم: الفلك واحد، وجريهن مختلف، والفلك في اللغة كل ما يدور.
ثم قال عز وجل: {وَءايَةٌ لَّهُمُ} يعني: علامة لكفار مكة على معرفة وحدانية الله تعالى، {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ} يعني: آباءهم، واسم الذرية يقع على الآباء والنسوة، والصبيان، وأصله الخلق، كقوله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الجن والإنس لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أولئك كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الغافلون} [الأعراف: 179] يعني: خلقنا.
ويقال: {ذُرّيَّتُهُم} خاصة.
ثم قال: {فِى الفلك المشحون} يعني: في سفينة نوح عليه السلام الموقرة المملوءة.
يعني: حملنا ذريتهم في أصلاب آبائهم قرأ نافع وابن عامر: {ذُرّياتِهِمْ} بلفظ الجماعة.
وقرأ الباقون: {واتبعتهم ذُرّيَّتُهُم} وأراد به الجنس.
ثم قال عز وجل: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} يعني: من مثل سفينة نوح عليه السلام ما يركبون في البحر.
وقال قتادة: يعني: الإبل يركب عليها في السير، كما تركب السفن في البحر.
وقال السدي: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}.
فقال: هذه السفن الصغار.
يعني: الزوارق.
وقال عبد الله بن سلام: هي الإبل.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: أخبرني الثقة بإسناده عن أبي صالح.
قال: قال لي ابن عباس: ما تقول في قوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} قلت: هي السفن.
قال: خذ مني بآذان إنما هي الإبل.
فلقيني بعد ذلك.
فقال: إني ما رأيتك إلا وقد غلبتني فيها، هي كما قلت ألا ترى أنه يقول: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} يعني: إن نشأ نغرقهم في الماء {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} يعني: لا مغيث لهم {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} يعني: لا يمنعون، فلا ينجون من الغرق.
قوله عز وجل: {إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا} يعني: إلا نعمة منا، حين لم نغرقهم.
ويقال: معناه لكن رحمة منا بحيث لم نغرقهم {ومتاعا إلى حِينٍ} يعني: بلاغًا إلى آجالهم.
ثم قال عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} يعني: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من أمر الآخرة فاعملوا لها {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أمر الدنيا فلا تغتروا بها.
وقال مقاتل: {اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} لكيلا يصيبكم مثل عذاب الأمم الخالية {وَمَا خَلْفَكُمْ} يعني: {واتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} أي: من عذاب الآخرة.
والأول قول الكلبي.
ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يعني: لكي ترحموا فلا تعذبوا {وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ مّنْ ءايات رَبّهِمْ} مثل انشقاق القمر {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} يعني: مكذبين.
وهذا جواب لقوله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} الآية.
ثم أخبر عن حال زنادقة الكفار فقال عز وجل {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} يعني: تصدقوا من المال الذي أعطاكم الله عز وجل: {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} على وجه الاستهزاء منهم {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} يعني: في خطأ بيّن.
قال بعضهم: هذا قول الكفار الذين أمرهم بالنفقة.
وقال بعضهم: هذا قول الله تعالى.
يعني: قل لهم يا محمد: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} وروي عن ابن عباس مثل هذا.
ثم قال عز وجل: {وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} يعني: متى هذا الوعد الذي تعدونا به يوم القيامة {إِن كُنتُمْ صادقين} بأنا نبعث بعد الموت، فيقول الله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ} بالعذاب {إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} يعني: لا حظر لإهلاكهم، فليس إلا صيحة واحدة {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ} قرأ عاصم في رواية أبي بكر {يَخِصّمُونَ} بكسر الياء والخاء.
وقرأ نافع {يَخِصّمُونَ} بنصب الياء، وسكون الخاء.
وقرأ الكسائي وعاصم في رواية حفص وابن عامر في إحدى الروايتين: بنصب الياء، وكسر الخاء.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بنصب الياء والخاء.
وقراءة حمزة {يَخِصّمُونَ} بنصب الياء، وجزم الخاء بغير تشديد.
ومعناه: تأخذهم وبعضهم يخصم بعضًا.
ومن قرأ بالتشديد.
فالأصل فيه يختصمون فأدغمت التاء في الصاد، وشددت.
ومن قرأ: بنصب الخاء طرح فتحة التاء على الخاء.
ومن قرأ بكسر الخاء، فلسكونها، وسكون الصاد.
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: لينفخن في الصور، والناس في طرقهم، وأسواقهم، حتى أن الثوب ليكون بين الرجلين يتساومان، فما يرسله واحد منهما، حتى ينفخ في الصور، فيصعق به، وهي التي قال الله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ} قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: وأخبرني الثقة بإسناده عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تَقُومُ السَّاعَةُ والرَّجُلانِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْب، فَلا يَطْوِيَانِهِ، وَلا يَتَبايَعَانِهِ وَتَقُومُ السَّاعَةُ، وَالرَّجُلُ يَحْلُبُ النَّاقَةَ، فَلا يَصِلُ الإنَاءُ إلَى فِيه وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلُوطُ الْحَوْضَ، فَلا يَسْقِيَ فِيهِ».
ثم قال تعالى: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} يعني: يموتون من ساعتهم بغير وصية، فلا يستطيعون أن يوصوا إلى أهلهم بشيء {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} يعني: ولا إلى منازلهم يرجعون من الأسواق فأخبر الله تعالى بما يلقون في النفخة الأولى ثم أخبر بما يلقون في النفخة الثانية.
يعني: إذا بعثوا من قبورهم بعد الموت فذلك قوله: {وَنُفِخَ في الصور فَإِذَا هُم مّنَ الأجداث} من القبور {إلى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ} يعني: يخرجون من قبورهم أحياء.
وكان بين النفختين أربعين عامًا في رواية ابن عباس.
وقيل: أكثر من ذلك.
ورفع العذاب عن الكفار بين النفختين.
فكأنهم رقدوا.
فلما بعثوا {قَالُواْ يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} يعني: من أيقظنا من منامنا.
قال: فيقول لهم الحفظة من الملائكة {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن} على ألسنة الرسل {وَصَدَقَ المرسلون} بأن البعث حق.
ويقال: إن المؤمنين هم الذين يقولون: {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} بأن البعث كائن.
ثم قال عز وجل: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} قال الكلبي: يعني: في الآخرة.
وقال مقاتل: في بيت المقدس لحسابهم.
ثم قال: {فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} يعني يوم القيامة لا تنقص نفس مؤمنة، ولا كافرة، من أعمالهم شيئًا {وَلاَ تُجْزَوْنَ} يعني: ولا تثابون {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} من خير أو شر.
ثم قال: {إِنَّ أصحاب الجنة اليوم في شُغُلٍ فاكهون} يعني: يوم القيامة في شغل مما هم فيه.
أي: عن الذي هم فيه فاكهون.
يعني: ناعمين.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو {فِى شُغُلٍ} بجزم الغين.
وقرأ الباقون بالضم.
وهما لغتان.
يقال: شغْل وشغُل مثل عُذْر وعذُر وعمْر وعمُر.
قرأ أبو جعفر المدني: {فاكهون} بغير ألف، وقراءة العامة {فاكهون} بالألف.
فمن قرأ بغير ألف يعني: يتفكهون.
قال أبو عبيد: يقال: للرجل إذا كان يتفكه بالطعام، أو بالشراب، أو بالفاكهة، أو بأعراض الناس، إن فلانًا يتفكه.
ومنه يقال للمزاحة فكاهة.
ومن قرأ بالألف يعني: ذوي فاكهة.
وقال الفراء: فاكهة وفكهة لغتان، كما يقال حذر وحاذر.
وروي في التفسير {فاكهون} يعني: ناعمون.
وفكهون معجبون.
وقال الكلبي ومقاتل في قوله: {إِنَّ أصحاب الجنة} الآية يعني: شغلوا بالنعيم في افتضاض الأبكار العذارى عن أهل النار، فلا يذكرونهم يعني: معجبين بما هم فيه من النعم والكرامة.
قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: حدّثنا محمد بن الفضل بإسناده عن عكرمة في قوله: {فِى شُغُلٍ فاكهون} قال في افتضاض الأبكار.
وروى زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالجمَاعِ» فقال رجل من أهل الكتاب: إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة.
فقال الرسول: «يَفِيضُ مِنْ جَسَدِ أحَدِهِمْ عَرَقٌ مِثْلُ المِسْكِ الأذْفَرِ فَيَضْمُرُ بذلكَ بَطْنُهُ».
ثم قال تعالى: {هُمْ وأزواجهم في ظلال} قرأ حمزة والكسائي {فِي ظُلَلٍ} وقرأ الباقون {فِى ظلال} فمن قرأ {فِي ظُلَلٍ} فهو جمع الظلة.
يقال: ظلة وظلل مثل حلة وحلل.
ومن قرأ بكسر الظاء فهو جمع الظل يعني: هم في ظلال العرش والشجر ويقال معنى القراءتين يرجع إلى شيء واحد.
يعني: إن أهل الجنة {هُمْ وأزواجهم} الحور العين في القصور {عَلَى الارائك مُتَّكِئُونَ} يعني: على السرر عليها الحجال.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: الأرائك سرر في الحجال.
وقال الكلبي: لا تكون أريكة إلا إذا اجتمعتا، فإذا تفرقا فليست بأريكة {مُتَّكِئُونَ} أي: ناعمون.
وإنما سمي هذا لأن الناعم يكون متكئًا.
ثم قال: {لَهُمْ فِيهَا فاكهة} يعني: لهم في الجنة من أنواع الفاكهة {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} يعني: ما يتمنون مما يشتهوا من الخير، {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} يعني: يرسل إليهم ربهم بالتحية والسلام.
والعرب تقول: ادّعي ما شئت، {يَدَّعُونَ} يتمنون.
فقوله عز وجل: {سَلاَمٌ قَوْلًا} يعني: يقال لهم سلام كأنهم يتلقونه بالسلام {مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} ويقال: {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ سلام} يعني: لهم ما يشاءون خالصًا.
ثم قال: {قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ}.
يقول الله تعالى: {وامتازوا اليوم} وذلك أنه إذا كان يوم نادى مناد: {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} يعني: اعتزلوا أيها الكفار من المؤمنين، فإنهم قد تأذوا منكم في الدنيا، فاعتزلوهم حتى ينجوا منكم.
ويقال: إن المنادي ينادي {أَيُّهَا المجرمون} امتازوا، فإن المؤمنين قد فازوا.
وأيها المنافقون امتازوا، فإن المخلصين قد فازوا.
ويا أيها الفاسقون امتازوا فإن الصالحين قد فازوا ويا أيها العاصون امتازوا، فإن المطيعين قد فازوا. اهـ.